الخميس، 22 نوفمبر 2012

سعيدة بالاسم فقط


تتمة للجزء الاول من قصة التارازا 


 استفاقت سعيدة على وقع كابوس مزعج، لم تستطع كتم صرختها التي كانت سببا في استيقاظ المهجع بما فيه من الم وانفجرت باكية فلم تجد سوى ممرضة بجانبها تحاول تهدئتها بحقنها بمادة مهدئة التي سرعان ما رضخت لها فاسترخت ونامت! قضت حوالي الشهرين في المستشفى وكانت تزورها عمتها بين الفينة والاخرى حتى انقطعت عن ذلك فجأة !

 سعيدة هي الفتاة الناجية من حادث السيارة المؤلم ذاك حيث فقدت بسببه جدها وابوها ثم والدتها التي تلقت الخبر بجلطة دماغية لم يستطع الطب معها شيئا لتصبح يتيمة ووحيدة في العالم! بعد انتهاء الشهرين اقتيدت لمركز اليتامى لتعيش هناك طفولتها الغير العادية، اعتادت ان لا تنام بسبب الكوابيس التي تراودها كل ليلة وعاشت مستيقظة معذبة.

فكانت تعاني الوحدة والعنف من طرف الكل حتى ان الدموع لم تكن تفارق عيناها الجميلتان! لم تمر السنتان على ولوجها دار اليتامى ذاك حتى جاء امر بإغلاقه بسبب مشاكل فيه وكان لابد من توزيع الاطفال، ارسلت على إثر ذلك لعائلة فخمة في المدينة فابتسمت لأول مرة لحظها السعيد بسبب تعاملهم معها وطريقة اعتنائهم بها التي تنم عن اخلاق وادب كبيرين فلمست الهدوء هناك، رب البيت العطوف وزوجته الحنون وابنيهما الودودين الذين كانوا يشاركونها كل شيء!

كانت سعيدة تكبر وتزداد جمالا وفي أحد الليالي احست بباب غرفتها يفتح ... لم تستطع مقاومة رغبة جارفة للطفل الذي ظنته يوما اخا غير شقيق لها ... لم تستطع اختيار القبول او الرفض فقضت الليلة بين ذراعي اول شخص يلمسها.

توالت الايام وتوالت الليالي وباتت الخطيئة تكبر لتصبح عادة استأنس بها الطرفان ولأنهما مجرد مراهقين فنتائج افعالهما لم يتداركانها الا متأخرين، باتت ربة البيت تلاحظ ارهاقا غير عادي اثناء مزاولة سعيدة لعملها بالبيت كما اختفاء النشاط والابتسامة المعتادين ان تراهما في تلك الفتاة ولأن النساء من يفهمن بنات جنسهن فسرعان ما اكتشفت ان الفتاة تخفي حملا ثقيلا على العائلة ولكي تخفي خطيئة ابنها المدلل اخذت سعيدة لأقرب مستشفى فاجرت لها عملية اجهاض وترهيب وتغيير في المعاملة فتحولت ربة البيت من ملاك لحاصدة أرواح مرعب ،تلك هي الام عندما يتعلق الامر بمستقبل فلذه كبدها وسرعان ما رمتها للشارع ... .

نامت سعيدة على الرصيف لأول مرة ولسوء حظها فإنها صادفت اجواء ممطرة وباردة لا اكتفى البرد بلسعها ولا المطر بغسل نجاسة الطاهرة ... وابن الشارع لا يعرف الا أبناء الشارع وسرعان ما تعرفت على رفيقات ادخلنها لدائرة الرذيلة بكل اشكالها فتعلمت العيش بكل ما أمكنها من قوة وطبعا كثرة الممارسة تولد التجربة فجمالها خول لها الوصول لأشخاص ذوي نفوذ كبير ... تركت الشارع وتركت من علمنها الرذيلة وارتدت رداء حريري أحمر ورسمت لنفسها اجنحة سوداء وكتبت على جبينها عبارة اللامبالاة.

صارت سعيدة تنتقل بين ذراعي الرجال كريشة ناعمة فتتركهم فارهي الافاه واستغلت نفوذها وحطمت كل شخص يذكرها بماضيها فلم تسلم حتى العائلة التي تبنتها ورمتها يوما للشارع ولا الفتيات اللتين علمناها مهنة الرذيلة.

أسوء شيء هي ان تحصل حسناء جميلة جاهلة على السلطة والنفوذ فحتى الشيطان نفسه لا يستطيع شيئا ... وطبعا من يكبر كثيرا يسقط سريعا وارتفاع سعيدة لأعلى المراتب لم يكن على ركائز تستطيع الصمود بها لذلك سرعان ما حكن لها فتيات اخريات ثوب الفضيحة واعدنها لنقطة لم ينفع شيء لبقائها هناك في وسط لم تحلم به يوما فعادت ادراجها ذليلة مهانة، وما حصلت عليه أمس جردت منه اليوم ... تلك هي نتيجة اللعب مع الكبار!

باتت سعيدة تعيسة لحظها ولحياتها ككل، فلم ترى بدا لعيشها حياة مقرفة وتمنت انها لو لم تأتي لهذه الحياة ابدا وتمنت الله ان يأخذ روحها ويخلصها من عذابها. وفي احدى الليالي العاصفة هبت ريح قوية على المدينة، كانت خلالها سعيدة في الشارع عائدة لغرفتها الصغيرة الرخيصة بملابس رثة، فتلقتها سيارة وكان اخر ما تتذكره صور ضبابية عن ضوء كان قادما نحوها ثم تلاشى فيها ليرفرف بها لثواني ويضعها بغير هدوء طريحة تحت قطرات المطر الممتزجة بدمها المنتشر تحت اقدام من تجمع حولها.

 استفاقت في المستشفى لتجد نفسها تخترقها الانابيب التي تضخ الحياة التي لا تريدها في جسدها ... كثيرا ما يموت الشخص عندما يفقد الإرادة، إرادة البقاء وذلك اختطفته الحياة من سعيدة سنوات مضت فأصبحت هزيلة وذات وجه شاحب كئيب ذات عينان غائرتان مغرورقتان فودعت العالم بهمس متهدج ونامت نوما عميقا وابديا.

  فسعيدة عاشت غير سعيدة حتى في أبهى صورة لها فعلى الأقل ماتت مبتسمة ولان الطبيعة لا تنسى فالتارازا طارت كثيرا لتسقط قرب قبر سعيدة ... ما هو للعائلة يبقى للعائلة دوما!

التعليقات
5 التعليقات

5 التعليقات :